الأصالة والمعاصرة.
الأسئلة:-هل الانفتاح الحضاري بين الأمم ضروري؟-هل المعاصرة شرط بقاء الأمة؟-هل التراث مصدر النهضةIالمقدمة:تتألف الذات الإنسانية من بعدين أساسيين أحدهما يرتبط بطبيعة ونوعية الاستجابة والآخر يشير إلى ميل الإنسان إلى التجمع حتى قيل أن الإنسان كائن مدني بطبعه والحقيقة أن البشرية عرفت عدة أنواع من التجمعات بداية من القبيلة وصولا إلى الدولة والأمة فإذا علمنا أن الأمة مجموعة من الأفراد تربطهم روابط روحية وأن الأصالة ترتبط بالماضي والتراث فالمشكلة المطروحة:هل الأصالة كافية لبقاء واستمرار الأمة أم المعاصرة؟1/الرأي الأول(الأطروحة): ذهب أنصار هذه الأطروحة إلى الربط بين بقاء الأمة ومدى تمسكها بالتراث والأصالة, فالأمة من حيث المفهوم ترتكز على الروابط الروحية والمعنوية وعلى حد تعبير "جاك مارتان" {يربط بين أفرادها التضامن والإخلاص والشرف} هذه الروابط المعنوية لا يمكن أن تقوم وتستمر إلا في ظل المحافظة على العادات والتقاليد والقيم الروحية وكذا اللغة والتاريخ, قال "ساطع الحصري" {القرابة التي يشعر بها ويتكلم بها أبناء الأمة الواحدة هي قرابة معنوية تنشأ من الروابط الاجتماعية المختلفة ولاسيما الاشتراك في اللغة والتاريخ} ويعتقد أنصار هذه الأطروحة أن الأصالة تمنح الأمة الجذور والثبات والإحساس بالهوية ومن لا هوية له لا شخصية له, فيسهل اقتلاعه من ومن ثم السيطرة عليه, كما أن استقراء الواقع والتاريخ يؤكد أن الحركات الاستعمارية على اختلاف أشكالها حاولت وباستمرار القضاء على مقومات الأنة التي تستعمرها خاصة مقوم اللغة والتاريخ, والسر في ذلك حسب "ساطع الحصري" في كتابه [محاضرات في نشوء فكرة القومية] {إن اللغة بمثابة روح الأمة وحياتها, والتاريخ بمثابة وعي الأمة وشعورها} ومن الشواهد التي تثبت أهمية الأصالة أن جميع الأمم في أوقات الشدة والمحن تعود إلى تراثها وتذكر بأمجادها وأصالتها, قال "رينان" في كتابه [ماهية الأمة] {الأمة مجموعة من البشر يجمعهم وعي خاص وشعور بانتماء أعضائها إلى بعضهم البعض}, ومن هذا المنطلق ذهب البعض إلى المطالبة بالعودة إلى حياة السلف الصالح وحجتهم {إنه لا يصلح آخر الأمة إلا بما صلح أولها}. ويمكن القول أن الأصالة فكرة شائعة عند الكثير من الأمم, فالأمة اليهودية تعتمد على القصص والأساطير الشائعة في التراث لأجل خلق الوحدة الوطنية بين أفرادها, كما يمكن القول أن فكرة الأصالة لها امتدادات في مجالات السياسة والثقافة.نقد:إن التعصب للماضي قد يؤدي إلى الجمود والانغلاق حول الذات, مما يجعل الأمة غير قادرة على مواجهة مستجدات العصر./الرأي الثاني(نقيض الأطروحة): ذهب أنصار المعاصرة إلى المطالبة بضرورة التفتح على الثقافات الأخرى وعندهم أن منطق العصر يقتضي الإيمان بفكرة الحوار الحضاري بين الشعوب والمعاصرة عند "أحمد أركون" تعني الحداثة, إن الحداثة ترتكز على عنصرين الحداثة المادية وتعني التحسينات التي تلحق الإطار الخارجي للوجود الإنساني والحداثة الفكرية وتعني تجديد المواقف والمناهج. والواقع أن أنصار هذه الأطروحة يطالبون بفكرة التكامل وأن الحلول المختلفة إنما يجب البحث عنها في الأساليب التقنية والأفكار التعليمية. ويرى المفكر المغربي "عبد العزيز لحبابي" أن التفتح ضروري وأن معرفة الآخر تؤدي إلى اكتشاف العيوب والنقائص {إن كل شعب لا يمكن أن تتشكل هويته إلا بانفتاحه على الشعوب الأخرى}, وهذه الفكرة التي دفعت "كمال أتاتورك" إلى محاولة بناء الأمة التركية من منطلق التفتح على الحضارة الغربية, كما رأى "طه حسين" أن استعارة المنهج الديكارتي في التفكير ضرورة ملحة لتجديد الفكر العربي, وطالب أنصار فكرة الاندماج في الجزائر إلى ضرورة الاندماج بين الأمة الجزائرية والفرنسية, ومن المعاصرة ظهرت فكرة العولمة, وهي فكرة تؤمن بسياسة التكتلات وأن التحسين الاقتصادي العالمي هو الأداة الضرورية لتطوير جميع الأمم حيث بيّن المفكر "فورا نستيي" أن استعمال الآلات الحديثة زاد في كمية الإنتاج وسرعته, والمعاصرة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال تحرير المرأة ونشر حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات الفردية.نقد: إن التفتح من منطلق المعاصرة قد يؤدي إلى زوال هوية الأمة وذوبانها في ثقافات الأمم الأخرى./التركيب: رأى "فرانسيس بيكون" أن الوهم يظلل الإنسان عن الفكر الصحيح وهو ما أطلق عليه اسم أوهام المسرح ومنه الأصالة والمعاصرة في شكلهما المتطرف يمثلان بحق قمة الوهم والسذاجة. قال الدكتور "حسين حنفي" في كتابه [قضايا معاصرة في فكرنا المعاصر] {الأصالة المتطرفة هي الاعتزاز بالماضي بدافع من التشبث به والتعصب له...إنهم يرون الحاضر في مرآة الماضي} فالأصالة الحقيقة هي اتحاد بالواقع نفسه وإعادة التفسير القديم كله لخدمة هذا الواقع, كما أن المعاصرة هي الأخذ بالنظرة العلمية وليس الأخذ بكل ماهو حديث دون تمييز, قال "هربرت ريد" {إني أعلم أن هنالك شيئا اسمه التراث ولكن قيمته عندي انه مجموعة من وسائل تقنية يمكن أن نأخذها من السلف لنستخدمها اليوم ونحن آمنون بالنسبة إلى ما استحدثناه من مرافق جديدة}, فالأصالة تحتوي على جوانب معقولة وأخرى لا معقولة, حيث أكد "زكي نجيب محمود" جديد الفكر العربي أن شرط أي نهضة هو العودة إلى الأصول المعقولة, والنهضة الحقيقية عند "مالك بن نبي" هي التي تستلهم من التراث المبادئ والأحداث ومن المعاصرة منطق العلم والعمل.-الخاتمة: ومجمل القول أن الحديث عن شروط النهضة عند الأمم هو حديث في المقام الأول عن إشكالية الأصالة والمعاصرة, وفي هذه المقالة استطعنا التمييز بين أطروحتين واحدة رأت أن خصوصيات الأمة تقتضي الحفاظ على هويتها, والأخرى دافعت عن ضرورة الانفتاح بين الحضارات, ومن منطلق أن استمرار الأمة في الوجود وقدرتها على الإبداع الحضاري يجب أن يرتبط برؤية نقدية توازن فيه الذات بين الأصالة والمعاصرة ومن كل ما سبق نستنتج:الأصالة وحدها لا تكفي ما لم تقترن بالمعاصرة. كما أن الأصالة الحقيقة لا تمنع الأمة من المشاركة في الإبداع الحضاري