مقالة حول طبيعة الذاكرة.
الأسئلة: -يقال الذاكرة حادثة بيولوجية, ما رأيك؟-هل أساس الاحتفاظ بالذكريات بيولوجي؟-هل تترك الذكريات آثارا مادية في الدماغ؟-هل الذاكرة من طبيعة مادية أم نفسية- المقدمة: تتألف الذات الإنسانية من بعدين أساسيين أحدهما اجتماعي دلالة على ميل الإنسان إلى المجتمع, والآخر فردي تحدده طبيعة ونوعية الاستجابة فالإنسان يعيش حاضره ويدركه, كما يتميز بقدرته على استخدام الماضي والاستفادة منه, وغني عن البيان أن الذاكرة هي الأداة التي تسترجع الحوادث الماضية مع التعرف عليها لكن العوامل المتحكمة في تثبيت الذكريات واسترجاعها مسالة شائكة والسؤال الذي يطرح نفسه:هل أساس تثبيت الذكريات واسترجاعها مادي أم نفسي؟/الرأي الأول(الأطروحة): ترى هذه الأطروحة "النظرية المادية" أن أساس تثبيت واسترجاع الذكريات يبولوجي والذاكرة عندهم مرتبطة بالدماغ, هذه النظرية قامت على أساس النتائج التي توصل إليها العلماء في القرن الـ19 (علماء البيولوجيا والكيمياء) غير أن جذورها التاريخية قديمة فقد ربط "ديكارت" الذاكرة بالجسم وعرفها "ابن سينا" على أنها {قوة محلها التجويف الأخير من الدماغ من شأنها حفظ المعاني الجزئية}, غير أن الطبيب الفرنسي "ريبو" هو الذي تعمق في التفسير المادي للذاكرة قال في كتابه [أمراض الذاكرة] {الذاكرة وظيفة عامة للجهاز العصبي تنشأ عن اتصاف العناصر الحية بخاصية الاحتفاظ بالتبدلات التي تطرأ عليها, فهي حادة بيولوجية بالماهية نفسية بالعرض}. ومن الأمثلة التي توضح تأثير الدماغ في الذاكرة المثال الذي ذكره الدكتور "دولي" حيث أن بنتا عمرها 23 سنة أصيبت برصاصة في المنطقة الجدارية اليمنى للدماغ جعلتها لا تتعرف على الأشياء التي توضع بيدها اليسرى بعد تعصيب عينيها. وأكدت تجارب "بروكا" أن حدوث نزيف دموي في التلفيف الثالث من الجهة الشمالية يولّد مرض الأفازيا (الحبسة), وإصابة الجدار اليساري للدماغ تولد مرض العمى اللفظي, وملخص الأطروحة نجده في عبارة "تين" {المخ وعاء يستقبل ويخزن مختلف أنواع الذكريات وكل نوع من الذكريات ما يقابله من خلايا عصبية}.نقد:هذه النظرية تجاهلت تأثير العوامل النفسية التي تتحكم في عملية استرجاع الذكريات سلبا أو إيجابا./الرأي الثاني(نقيض الأطروحة): ترى هذه النظرية "النفسية" أن العوامل الشعورية واللاشعورية ومختلف أشكال الانفعال تلعب الدور الأساسي والحاسم في تثبيت واسترجاع الذكريات, هذه النظرية جاءت كرد فعل على النظرية المادية التي بنظرهم لم تفرق بين الذاكرة الحركية والذاكرة النفسية, أشهر من دافع عن هذه الأطروحة الفرنسي "برغسون" الذي قال في كتابه [المادة والذاكرة]ٍ {إن مجهودا ما أو انفعالا عاطفيا بمقدورهما إعادة كلمات اعتقدنا أنها ضاعت إلى الأبد} ومن الأمثلة التي توضح تأثير العوامل النفسية حالة مريض بالأمينيزيا الحركية فقد إرادة القيام بإشارة الصليب وأثناء تواجده بالكنيسة ونتيجة انفعالاته القوية استرجع هذه القدرة, واعتمدت هذه النظرية على قانون تداعي الأفكار لتفسير استرجاع الذكريات حيث قال "جميل صليبا" {إن في كل عنصر نفسي ميل إلى استعادة المجموعات النفسية التي هو أحد أجزائها}, وشكل ذلك ما رواه "هوفيدنغ" أنه تذكر منظر جبال سويسرا عندما رأى في الأفق الغيوم الكثيفة, وملخص الأطروحة نجده في عبارة "دانييه" {إن في تذكر أيام السعادة ألاما قاسية}.نقد: لاشك أن العوامل النفسية تؤثر في استرجاع الذكريات لكنها عجزت عن تحديد مكان تخزين الذكريات./التركيب: لا يمكن دراسة موضوع الذاكرة بمعزل عن تأثير الشروط النفسية والعضوية من جهة ومن جهة أخرى لا يمكن إهمال تأثير العوامل الاجتماعية هذه الأخيرة تؤثر في بناء الذكريات وكما قال "هالفاكس" في كتابه [الأطر الاجتماعية للذاكرة] {الحلم يعتمد على نفسه لكن الذاكرة تحتاج إلى الآخرين} واسترجاعها يتأثر بالعادات والمؤسسات الاجتماعية وحتى اللغات. وهنا يتدخل الدماغ والجملة العصبية, قال أحد الأطباء {لا يمكن أن تظهر الذكريات دون مساعدة الدماغ}, ولا يقل العامل النفسي أهمية عن فالذاكرة من طبيعة إنسانية والإنسان كائن متعدد الأبعاد وكما قال "بيار جانييه" {ليست الحادثة النفسية جسمية ولا عقلية إنما توجد في الإنسان}.-الخاتمة:ومجمل القول الذاكرة كما عرفها "لالاند" {وظيفة نفسية تستهدف استرجاع حالة شعورية ماضية مع التعرف عليها من حيث هي كذلك} ولولا الذاكرة لما تعرف الإنسان على محيطه الخارجي لكن المشكلة الأساسية ليست في قيمتها بل في طبيعتها أي العوامل المتحكمة في حفظ واسترجاع الذكريات وتأسيسا على ما سبق نستنتج:الذاكرة من طبيعة مادية ونفسية واجتماعية في آن واحد.