مقالة حول طبيعة الانفعال
الأسئلة :-هل ينحل الهيجان إلى تصوّرات عقلية؟-هل الانفعال من طبيعة عقلية؟-هل تسبق التبدلات الفيزيولوجية التبدلات العقلية؟-هل نبكي فنحزن أم نحزن فنبكي؟-هل اللذة شعور بالكمال والألم شعور بالنقص؟-هل الخوف عند الإنسان نتيجة لتفكيره أم تركيبته الوراثية؟- المقدمة: تحرك الإنسان دوافع عضوية ونفسيةو اجتماعية يحاول إشباعها من أجل تحقيق التوازن مع ذاته ومع المحيط الخارجي, وإذا عجز عن إشباعها أو تمّ منعها يشعر بالاضطراب وهذا ما يعرف عند علماء النفس بظاهرة "الانفعال" غير أن طبيعة الانفعال والعوامل التي تتحكم في حدوثه مسألة بالغة التعقيد تضاربت حولها الآراء ويمكن صياغتها في الإشكالية التالية:هل الانفعال من طبيعة عقلية أم عضوية؟/الرأي الأول (الأطروحة): ترى النظرية العقلية (الذهنية) أن التصورات الذهنية تسبق زمنيا حدوث التبدلات الفيزيولوجية [فالأم ترى ابنتها المريضة تشعر بالحزن ثم تبكي ]. انتشرت هذه الأطروحة عند بعض الفلاسفة والعلماء في "العصر الحديث" ومنهم الفرنسي "ديكارت" وقال في كتابه [العواطف] {السرور انفعال ملائم للنفس تحدثه تأثيرات العقل والحزن ألم مناف للنفس}, وأشهر من دافع عن هذه النظرية الألماني "هاربارت" بمثال [الرسام الذي يحطّم لوحته في لحظة غضب] أكّد من خلاله أن الإنسان ينفعل عندما لا يتوافق تفكيره مع الواقع فقال {إن الانفعالات اللذيذة تنشأ عن اتفاق التصورات وانسجامها مع بعضها أما الانفعالات المؤلمة فتنشأ عن عدم انتظامها}.نقد (مناقشة): هذه الأطروحة نسبية لأنها تتنكر لحقيقة علمية تتمثل في استحالة الفصل بين ماهو عقلي وماهو عضوي./الرأي الثاني (نقيض الأطروحة): ترى النظرية العضوية (الفيزيولوجية) أن مختلف أنواع المنبهات تحدث تغيرات بصورة آلية ومباشرة مما يستلزم أن لكل شيء انفعالي ما يقابله من تبدلات فيزيولوجية [والانفعال ماهو إلا ترجمة وصدى لما يحدث داخل الجسم] تجلّت هذه الأطروحة في صورتها العلمية عند الأمريكي"ويليام جيمس" الذي رفع شعار {لا وجود لانفعال لا علاقة له بالجسم}. ورأى أن العضلات والجهاز الهضمي والجهاز التنفسي تلعب دورا هاما في عملية الانفعال, وأكّد على ذلك بقوله{التغيرات الجسمية تتبع مباشرة إدراك الحادثة المثيرة وأن شعورنا بهذه التغيرات وهي تحدث هو الانفعال} ومن حججهم أن الأم تضمّ ابنها الخائف إلى صدرها وتمسح دموعه من أجل تخفيف حدة الانفعال والحزن مثلاً إذا جُرِّد من [الدموع, الزفرات, ضيق الصدر, انقباض القلب] يصبح انفعالا مصطنعا. وفي نفس السياق أثبتت البحوث التي قام بها الدنماركي "كارل لانج" صحة النظرية العضوية حيث ركّز على علاقة الدورة الدموية بظاهرة الانفعالات فقال {إن اتساع الأوعية الدموية وانقباضها يولّد الانفعال}. وترى هذه النظرية أن القيام بحركات عضوية يولّد لدى صاحبها الشعور بالانفعال, {إن رجال الصوفية من خلال رقصاتهم يشعرون بانفعال صوفي} هذه الفكرة أكد عليها أيضا الفرنسي "باسكال" {إن أحسن وسيلة تخلق فينا الشعور بالانفعال الديني هو أن تقوم بحركات دينية}وملخص الأطروحة يتجلى في عبارة "واطسون"{الانفعال تغيّر عميق في الجسم}.نقد (مناقشة): إن النظرية العضوية نسبية فـالممثل تظهر عليه تغيرات فيزيولوجية لكن لا يشعر حقيقة بالانفعال.التركيب : إن التغيرات العضوية ليست كافية وحدها لحدوث الانفعال وهذا ما أكدت عليه البحوث العلمية والشواهد الواقعية حيث لاحظ "كانط" أن "الأشخاص الذين أُحدثت في أحشائهم تغيرات اصطناعية-باستعمال المخدرات مثلاً- أشاروا إلى حدوث انفعالات غير حقيقية" مما جعل "ستانلي شاستر" يؤكّد على وجود عاملين هما [الإحساس الفيزيولوجي]و[أسلوب التفكير] والبكاء مثلاً كظاهرة انفعالية يُسمح به للإناث ولا يسمح به للذكور للتعبير عن الحزن إلا في حالات نادرة. {فالانفعال محصّلة لتفاعل ماهو عقلي مع ماهو فيزيولوجي}.I- الخاتمة :ومجمل القول....(الانفعال){تعبير عضوي ونفسي عن حالة وجدانية يرتبط باللذّة والألم مؤقّت ويؤثّر في السلوك} وهو أحد المواضيع التي يتطرق إليها الفلاسفة قديما وعلماء النفس حديثا من خلال عدة إشكالات أهمها [طبيعة الانفعال والعوامل المتحكمة فيه] حيث ذهبت النظرية الذهنية إلى القول {الانفعال يبدأ أولاً في العقل ثم ينتقل إلى الجسم} بينما النظرية العضوية اهتمّت بتأثير التبدلات الفيزيولوجية ومن زاوية علمية واقعية نستنتج:الانفعال من طبيعة عضوية وعقلية في آن واحد.