مقالة حول عوامل الإبداع الأسئلة:-هل يمكن إرجاع الإبداع إلى عوامل نفسية؟-هل يرتبط الإبداع بعوامل ذاتية أم موضوعية؟-هل الحاجة أم الاختراع؟-هل تتدخل القرارات الفردية في الإبداع؟-هل الإبداع ظاهرة اجتماعية؟- المقدمة:تتألف الذات الإنسانية من بعدين أساسيين أحدهما يرتبط بنوعية وطبيعة الاستجابة والآخر يرتبط بالبعد الاجتماعي فالإنسان كائن مدني بطبعه لكن حقيقة الشخصية لا تقتصر على فهم الواقع والتكيف معه بل في القدرة على تجاوزه وهذا ما يعرف في الفلسفة وعلم النفس بظاهرة الإبداع والاختراع والسؤال الذي يطرح نفسه:هل تتحكم في الإبداع العوامل الذاتية أم الموضوعية؟وبتعبير آخر هل الإبداع يعود إلى عوامل نفسية أم اجتماعية؟/الرأي الأول (الأطروحة):ترى هذه الأطروحة أن عوامل الإبداع ذاتية فردية فالإبداع تتحكم فيه الانفعالات والعوامل الشعورية واللاشعورية حيث تساءل "رينييه بورال" عن مدى ارتباط ظاهرة الإبداع بالحياة العاطفية للإنسان فقال {مما يستمد المبدع الطاقة الضرورية للإبداع إنه يستمدها من حياته العاطفية} ورأى "فرويد" أن الإبداع يعبر عن رغبات مكبوتة وعن إشباع خيالي فالمبدع يستمد مادة إبداعه من الأحلام (أحلام الطفولة أو أحلام اليقظة) وفي هذا المعنى قال {إن المبدع يطلق تخيلاته كي تنسج حول رغباته التي تعود على مرحلة الطفولة} إن الأديب أو الشاعر مثلا يسقط تجربته الشخصية على البطل الذي يستخدمه في قصته أو قصيدته, وربط "برغسون" الإبداع بالانفعال وقال {إن العلماء الطين يتخيلون الفروض العلمية والقديسين الذين يجددون المفاهيم الأخلاقية لا يبدعون في حالة جمود الدم بل في تيار نفسي ديناميكي}وتعتبر "الخنساء" مثالا واضحا عن تأثير الحزن لقد أبدعت شعرا للتعبير عن مدى حزنها لفقدانها أخيها, وربط الفرنسي "بوانكريه" الاختراع بالحدس قائلا {الحظ يحالف دائما النفس المهيأة} وقصد بذلك الاستعدادات النفسية, أن نيوتن ملا يدين إلى قوة حدسه في اكتشاف قانون الجاذبية كما يدين البعض إلى تجربة الألم وعلى حد تعبير "ألفرد ديموسييه" {لا شيء كالألم العظيم يجعلنا عظماء ونجن مدينون إلى الألم بأحسن آثار الفن والإبداع}.نقد:هذه الأطروحة أهملت تأثير العوامل الموضوعية في الإبداع ونقصد بذلك التربية وثقافة المجتمع./الرأي الثاني(نقيض الأطروحة): ترى هذه الأطروحة أن العوامل الموضوعية تتحكم في عملية الإبداع وقصدوا بذلك تأثير العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فعلى المستوى الاجتماعي ربط "دوركايم" بين القدرة على الإبداع وحالة المجتمع لان الإنسان يعيش في وسط اجتماعي {الإبداع ليس في جوهره أكثر من بناء جديد يستفيد من البنية الثقافية المعطاة عند المنطلق} فالإبداع العلمي مثلا لا يحدث إلا إذا كانت حالة العلم تسمح بذلك واستقراء تاريخ الاكتشافات العلمية يبرهن على صحة هذه الفكرة فالقنبلة الذرية مثلا لم تظهر إلا في العصر الحديث والسبب في ذلك تطور الفيزياء والكيمياء والوسائل التقنية والهندسة التحليلية لم تظهر إلا بعد ظهور الجبر, إن الاكتشاف صدى للمجتمع وكما قال "دوركايم" {إذا تكلم الضمير فينا فإن المجتمع هو الذي يتكلم}. واختراع التلغراف ارتبط بثلاثة علماء في آن واحد دون أن يحدث بينهم أي اتصال لتشابه المجتمعات التي يعيشون فيها, ولهذا قيل {الحاجة أم الاختراع}. وعلى المستوى الاقتصادي تحدث "كارل ماركس" عن تأثير العوامل المادية فالإبداع في المجتمعات الزراعية يختلف عن الإبداع في المجتمعات الصناعية أي {ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم, بل وجودهم المادي هو الذي يحدد وعيهم}. وعلى المستوى السياسي تساهم السياسة المرسومة في الإبداع منذ طفولتهم. فالإبداع وليد المجتمع.نقد:لا شك أن العوامل الاجتماعية في غاية الأهمية لكن وجدها لا تكفي وإلا لأصبح كل أفراد المجتمع مبدعين.3/ التركيب: إن الإبداع ظاهرة إنسانية والإنسان كائن متعدد الأبعاد فلا يمكن الفصل بين العوامل الذاتية والموضوعية فعلى المستوى الذاتي لا بد من تدخل الإرادة والميول النفسية والموهبة كقوة محركة تدفع الإنسان إلى حب الوصول إلى الهدف المرسوم لكن إذا لم تكن الظروف الاجتماعية ملائمة فإن الإبداع يختفي وكما قال "ريبو" {مهما كان الإبداع فرديا فإنه يحتوي على نصيب اجتماعي}, لقد كان "غاليليو غاليلي" صاحب إرادة كبيرة حيث دافع بحماسة عن فكرة كروية الأرض ولما كان نفوذ الكنيسة في المجتمع أقوى منه لم تكتب لفكرته آنذاك النجاح.-الخاتمة:ومجمل القول أن الإنسان هو الذي يصنع الإبداع والإبداع لا يحصل إلا في جو من الحرية لكن المسألة صعبة من حيث التساؤل عن العوامل التي تصنع ظاهرة الإبداع مسألة حاولنا تفكيك رموزها في هذه المقالة بداية من الكشف عن دور العوامل الذاتية وصولا إلى البيئة الاجتماعية وتأسيسا على سبق أن الإنسان مدني بطبعه نستنتج:تتحكم في الإبداع العوامل الذاتية والموضوعية في آن واحد.