مقالة حول دور الدولة في حياة الأفراد.
الأسئلة :-هل يمكن أن يقوم مجتمع ويدوم دون نظام سياسي؟-هل تتعارض سلطة الدولة مع حرية الأفراد؟-هل يمكن إزالة الدولة من عقول الناس؟-هل وجود الدولة ضروري؟-هل يمكن الاستغناء عن الدولة؟-قال"باكونين"{الدولة مقبرة كبيرة تدفن فيها جميع مظاهر الحياة}ما رأيك؟-المقدمة : تشكل الرغبة في الحياة والبحث عن السعادة أساس الطبيعة البشرية, فالإنسان كائن مدني واجتماعي بطبعه يسعى جاهدا لتحقيق أهدافه, لأجل ذلك ظهرت التجمعات البشرية منذ القدم منها البسيطة كالقبيلة والمعقدة كــالدولة فإذا علمنا أنه لكل دولة سلطة تحاول فرضها على الجميع وأن الحرية مطلب إنساني فالمشكلة المطروحة :هل وجود الدولة ضروري أم يمكن الاستغناء عنها؟وبتعبير آخر: هل سلطة الدولة تتعارض مع حرية الأفراد أم هي أداة لتطويرها؟الرأي الأول(الأطروحة): ترى هذه الأطروحة أنه لا يمكن أن يقوم مجتمع ويدوم دون نظام سياسي يحكمه, فالدولة ضرورية في حياة الأفراد لحماية أملاكهم وتطوير حريتهم, تظهر هذه الأطروحة في كتاب [العقد الاجتماعي] للفرنسي "جون جاك روسو" الذي جاء فيه {الدولة شكل لشركة تحمي كل شخص وأملاك كلّ مشارك في الجماعة فكأنه لا يطيع إلاّ نفسه ويبقى حرًّا كما كان من قبل} وحجته أن من يهب نفسه وحياته للجميع لا يهب نفسه لأي أحد مادام قد اختار العقد الاجتماعي بإرادته. وترى هذه الأطروحة أن شرط أي نهضة اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية هو الدولة وغيابها يولد كثرة الفتن والشرور قال "رفاعة الطهطاوي" في كتابه [مناهج الألباب] {الحاكم كالروح والرعية كالجسد ولا قوام لجسد إلا بروحه} ومقياس المجتمعات المتقدمة هو مدى انتشار الحرية بين أفرادها (حرية التنقل, التعبير, المعتقد...) والدولة هي الضامن الوحيد للحرية {إن مصلحة المواطن وحريته مضمونان في مصلحة وجوهر الدولة}كما ذهب إلى ذلك "هيجل". وترى هذه الأطروحة أنه من الناحية الواقعية مطالب الإنسان كثيرة وقراراته محدودة فهو بحاجة إلى مجتمع منظم لتلبية مطالبه. {إن الدولة ...كما قال "أفلاطون" في كتابه [الجمهورية]... ضرورية بالنظر إلى عجز الفرد عن الاكتفاء بذاته}.نقد:هذه الأطروحة تتجاهل أن بعض أنظمة الحكم (النازية) مثلا كانت أداة قمع وفيها استغلت الأقلية الحاكمة لأكثرية المحكومة./الرأي الثاني(نقيض الأطروحة): ترى هذه الأطروحة أن استقراء التاريخ يؤكد وجود مجتمعات عاش أفرادها في انسجام وتوافق وسعادة دون دولة تحكمهم ومع مجيء الدولة تجسّد استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وفقد بذلك حريته. تظهر هذه الأطروحة عند الفيلسوف "باكونين" الذي قال في كتابه [سلطة الدولة والفوضى]{الدولة مقبرة كبيرة تدفن فيها جميع مظاهر الحياة} إنها جهاز قمع فالحدود السياسية والجغرافية تسلب من الإنسان حري التنقل والشرطة والسجون أداة للتخويف والحل عنه يكمن في استبعاد مبدأ السلطة والهدف هو قيادة الإنسان إلى مملكة الحرية. وذهب أصحاب الفلسفة الماركسية إلى أن ظهور الدولة ارتبط بصراع الطبقات فهي أداة تستخدمها الطبقة البرجوازية المالكة لوسائل الإنتاج لإحكام سيطرتها على الطبقة الكادحة قال عنها "كارل ماركس" {الدولة هي التنظيم السياسي للطبقة السائدة اقتصاديا}. وترى هذه الأطروحة أن الدولة تلجأ إلى أساليب مختلفة لاستغلال الجماهير والعبث بهم كما ذهب إلى ذلك "جورج بوردو" والهدف هو قتل حاسة النقد عندهم من أجل إبقاء الأوضاع على حالها وملخص الأطروحة الدولة غير ضرورية ويمكن الاستغناء عنها.نقد:هذه الأطروحة تتجاهل أنه {إذا غاب القانون حلّ الطغيان}كما ذهب إلى ذلك "جون لوك" أي غياب الدولة يولد الفوضى./التركيب: رفض وجود الدولة ومن ثمة إمكانية الاستغناء عنها يفترض أن طبيعة البشر خيّرة في ذاتها وأن العلاقات بين الأفراد يمكن أن تقوم دون قوانين تنظمها لكن هذه الفرضية لا تصمد أمام منطق العقل وشواهد الواقع والتاريخ وهذا ما أكد عليه "أبو حامد ا لغزالي" في كتابه [الاقتصاد في الاعتقاد] {الأمن على الأنفس والأموال لا ينتظم إلاّ بسلطان مُطاع تشهد له أوقات الفتن بموت السلاطين والأئمة} إن الدولة ضرورة يقتضيها العقل بالنظر إلى تشتت الأهواء وتضارب الآراء لتحقيق الكمال الإنساني {كل إنسان مفطور على بلوغ الكمال والكمال لا يحصل إلا بالدولة}"الفارابي" والدولة لا تتحقق في أرض الواقع إلا إذا تخلى كل فرد عن حقّه في التصرف وفق فكره الشخصي كما ذهب إلى ذلك "سبينوزا" وهي الضامن الوحيد لاستقرار المجتمع واستمرار الحياة.- الخاتمة: وفي الأخير يمكن القول أن الفلسفة السياسية تبحث في أصول ومبادئ العمل السياسي وهي بحث فلسفي قديم وطرح الكثير من الإشكالات منها وظيفة الدولة وهي إشكالية جدلية فيها تضاربت الآراء حيث اعتبر "هيجل" الدولة أداة لترقية حرية الإنسان بينما "باكونين" شبه الدولة بالمقبرة الكبيرة, ومن منطلق الموازنة الفلسفية نستنتج:الدولة ضرورية لأنه لا يمكن أن يقوم المجتمع دون نظام سياسي يحكمه.