مقالة حول مشكلة المعرفة. (معيار الحقيقة)الأسئلة:هل الفكرة الصحيحة بالضرورة فكرة ناجحة؟-هل تقاس صحة الفكرة بمدى نجاحها؟-هل الوضوح والبداهة معيار الحقيقة؟-هل الحقيقة ترتبط بمدى انسجام الفكر مع ذاته أم مع الواقع؟-المقدمة:تعتبر الفلسفة من أكثر أنواع المعرفة شهرة وتمييزا في لا تستهدف امتلاك الحقيقة بمقدار ما تسعى إلى طلبها ومن هذا المنطلق بحث الفلاسفة في موضوع الوجود والقيم ودرسوا مشكلة المعرفة التي من خلالها ظهر ما يعرف بمعيار الحقيقة والمشكلة المطروحة:هل معيار الحقيقة الوضوح والبداهة أم النجاح والمنفعة؟/الرأي الأول(الأطروحة): ترى هذه الأطروحة أن مصدر المعرفة من طبيعة عقلية فالمعارف هي نتاج عقلي وليست مجرد نسخ مطابقة للواقع ومن هذا المنطلق فإن معيار الحقيقة هو العقل الذي أنتج المعرفة وعلامة ذلك الوضوح والبداهة, تعود هذه الأطروحة إلى فلسفة "أفلاطون" الذي قسّم العالم إلى قسمين, عالم المحسوسات وعالم المعقولات ومن خلال أسطورة الكهف يبيّن أن المعرفة المترتبة عن الحواس معرفة سطحية وهي أشبه بالظلال (الخيال) وللوصول إلى الحقيقة لا بد من الاعتماد على التأمل العقلي قال في كتابه [الجمهورية] {من الواجب على النفس الباحثة عن الحقيقة أن تمزق حجاب البدن وأن تنجو من عبوديته وأن تظهر ذاتها بالتأمل}. وفي الفلسفة الحديثة اعتمد "ديكارت" في بنا الحقيقة على العقل ورفض الحواس لأنها خداعة ومن الحكمة ألا نطمئن لمن خدعونا ولو مرة واحدة إن الأفكار الفطرية(مبادئ العقل) تساعد عل اكتشاف الحقيقة, قال في كتابه [مقالة في الطريقة] {لا أتلقى على الإطلاق شيئا على أنّه حق ما لم أتبين بالبداهة أنه كذلك}. ومن الأمثلة التي توضح قدرة العقل على تصحيح أخطاء الحواس ومن ثمّ بلوغ الحقيقة المثال الذي ذكره الفيلسوف الفرنسي "آلان" عن المكعب الذي يتألف من ستة سطوح و15 مضلعا بينما الحواس لا تدرك منه سوى ثلاثة سطوح, ومن الذين دافعوا عن معيار الوضوح والبداهة "سبينوزا" فالأفكار الواضحة المتميزة لا يمكن أن تكون باطلة فهي تفرض نفسها كما يفرض النور نفسه على الظلام.نقد(مناقشة): هذه الأطروحة تتجاهل أن العقل ليس ملكة معصومة من الخطأ./الرأي الثاني(نقيض الأطروحة) : ترى هذه الأطروحة "المذهب البراغماتي" أن الحقيقة تقاس بمعيار النجاح والمنفعة أي بمطابقة الأشياء لمنفعتنا لا مطابقة الفكر لذاته أو للأشياء الخارجية, ترتبط هذه الأطروحة بالفيلسوف الأمريكي "بيرس" الذي قال {المعرفة كائن ما كانت لا تستحق هذا الاسم إلا إذا كانت لها نتائج عملية يمكن لكل إنسان أن يشاهدها إذا أراد}وتعمقت هذه الأطروحة على يد "وليم جيمس" الذي رأى أن الحقائق نسبية ومتغيرة وشبّه الحقائق القديمة بالأسلحة القديمة فهي تتعرض للصدأ وتغدو عديمة النفع وربط بين الحقيقة والمنفعة فهما طرفان لخيط واحد قال في كتابه [محاضرات في البراغماتية] {الحق ليس إلا التفكير الملائم لغايته والصواب ليس إلا الفعل الملائم في مجال السلوك} ويُعتبر "جون ديوي" حلقة إضافية في سلسلة المذهب البراغماتي حيث ربط بين التفكير والمنفعة قال في كتابه [كيف نفكر] {يبدأ التفكير إذا اعترضت الإنسان مشكلة تتطلب الحل} ومن هذا المنطلق فإن قيمة العقل تكمن في استهداف غاية مستقبلية واختيار الوسائل المؤدية إليها, إن لتفكير ذريعة للعمل ومنه عرف هذا المصطلح بمذهب الذرائعية وهو مذهب الحقيقة على معيار النجاح والمنفعة.نقد(مناقشة): إن تأسيس الحقيقة على معيار المنفعة يجعلها نسبية ومتغيرة وبذلك تتهدم العلاقات الاجتماعية ما دامت قائمة على المصلحة والمنفعة./التركيب:إن تحديد الدلالة الفلسفية للحقيقة إشكالية فلسفية ليس من السهل ضبطها لتنوع المواقف حول فالمعنى اللغوي يربط الحقيقة بموافقة العقل لقاعدة ثابتة والمعنى الاصطلاحي يختلف باختلاف المذاهب الفلسفية ولا عجب في ذلك فقد وصف "نيتشه"سؤال [بيلاطيس] ما الحقيقة؟ بأنه يشكل عمق الفلسفة واعتبر "أناتول فرانس" معيار الحقيقة أنه أعمق إشكالية فلسفية, ومن هذا المنطلق تظهر الحاجة إلى نظرة تكاملية تجمع العقل والواقع والمنفعة في معيار واحد فالإنسان عند "إبن خلدون" ولد خالٍ من المعرفة وباتصاله بالواقع شرع في بنائها. فالحواس تقدم مادة المعرفة والعقل ينظمها ويفسرها من خلال فكرة الزمان والمكان والسببية والغائية(مقولات العقل), وكما قال "كانط" {الأفكار من دون مضمون حسي جوفاء والإحساس من دون تصورات عقلية عمياء} ومتى اتّحد العقل بالواقع تحققت المنفعة وانكشفت الحقيقة.-الخاتمة:وفي الأخير يمكن القول أن البحث عن الحقيقة ارتبط بالفلسفة ارتباط المنهج بالموضوع حيث لم يكتف الفلاسفة بالتساؤل عن مصدر الفلسفة وطبيعتها بل بحثوا في معيار الحقيقة وأمام صعوبة الإشكالية اختلفت المذاهب الفلسفية ويمكن تفسير ذلك باختلاف المصادر وتأسيسا على ما سبق نستنتج:لا يوجد معيار واحد للحقيقة؟