abdlkhalk
abdlkhalk
abdlkhalk
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

abdlkhalk

منتـــــــــــــــــدى التــــــــــــــواصــــــــــل والاهتمام
 
الرئيسيةhttp://trial.12أحدث الصورالتسجيلدخول
نتمنى ان تساهموا معنا بكتابة مواضيعكم الجميلة وان تكتبوا اقتراحاتكم التي سنأخذها ان شاء الله بعين الاعتبار
حكمة هذا الزمان: لا تكــونن قـاسيــا فتكســر ولا ليــــــنا فتعصــــــر
ياداخل المنتدى صل على النبي محـمـد صلـى الله عليه وسلــم
ثلاث يعز الصبر عند حلولهـا ويذهل عنها عقل كل لبيب خروج اضطرار من بلاد يحبها، وفرقة إخـوان، وفقد حبيب
المواضيع الأخيرة
» لتحضير الدكتوراه لمن هو مهتم
حركة الانبعاث Icon_minitimeالجمعة أغسطس 26, 2022 12:46 pm من طرف ربيع سعداوي

»  ربيع سعداوي Admin المساهمات : 56 تاريخ التسجيل : 26/07/2022 معاينة صفحة البيانات الشخصي للعضوhttps://rabai-saadaoui.ahlamontada.com طيبي أمال، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة وهران، الجزئر ...يظهر من اصول اندلسية.؟
حركة الانبعاث Icon_minitimeالجمعة أغسطس 05, 2022 10:13 am من طرف ربيع سعداوي

» تصميم مواقع الانترنت – انشاء موقع الكتروني
حركة الانبعاث Icon_minitimeالأحد سبتمبر 10, 2017 8:59 am من طرف شركة اطياف

» تصميم تطبيقات الهواتف الذكية مع أطياف
حركة الانبعاث Icon_minitimeالإثنين يوليو 03, 2017 11:40 am من طرف شركة اطياف

» انت الناقد الفذ يا دكتور بومنجل
حركة الانبعاث Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 27, 2017 11:13 am من طرف ربيع سعداوي

» الاحكام تصدر باسم الشعب.فمن يقول لاهابريي عدالة ال لا؟؟
حركة الانبعاث Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 27, 2017 11:08 am من طرف ربيع سعداوي

» الاحكام تصدر باسم الشعب..فمن يقول لارهابيي العدالة لا؟؟؟
حركة الانبعاث Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 27, 2017 10:40 am من طرف ربيع سعداوي

» تصميم وتنفيذ جميع ديكورات الأسقف المعلقة جبسيوم بورد
حركة الانبعاث Icon_minitimeالإثنين أكتوبر 10, 2016 1:56 pm من طرف atiaf

» مبرمج اندرويد – مبرمج ايفون
حركة الانبعاث Icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 07, 2016 12:33 pm من طرف atiaf

» تصميم مواقع انترنت – شركة تصميم مواقع انترنت
حركة الانبعاث Icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 07, 2016 12:03 pm من طرف atiaf

» مبرمج مواقع انترنت
حركة الانبعاث Icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 07, 2016 10:25 am من طرف atiaf

» مصمم مواقع انترنت
حركة الانبعاث Icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 07, 2016 9:58 am من طرف atiaf

» اعلان جوجل ادورد
حركة الانبعاث Icon_minitimeالإثنين سبتمبر 05, 2016 9:52 am من طرف atiaf

» اعلان فيس بوك مدفوع – ممول
حركة الانبعاث Icon_minitimeالإثنين سبتمبر 05, 2016 9:45 am من طرف atiaf

» تسويق الكتروني
حركة الانبعاث Icon_minitimeالأحد سبتمبر 04, 2016 2:55 pm من طرف atiaf

» تصميم مواقع انترنت – شركة تصميم مواقع انترنت
حركة الانبعاث Icon_minitimeالأحد سبتمبر 04, 2016 2:33 pm من طرف atiaf

» تسويق الكتروني
حركة الانبعاث Icon_minitimeالأحد أغسطس 07, 2016 12:02 pm من طرف atiaf

» اعلان جوجل ادورد
حركة الانبعاث Icon_minitimeالأحد أغسطس 07, 2016 10:19 am من طرف atiaf

» اعلان فيس بوك مدفوع – ممول
حركة الانبعاث Icon_minitimeالأحد أغسطس 07, 2016 9:09 am من طرف atiaf

» مبرمج اندرويد – مبرمج ايفون
حركة الانبعاث Icon_minitimeالسبت أغسطس 06, 2016 2:42 pm من طرف atiaf


 

 حركة الانبعاث

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 623
العمر : 41
تاريخ التسجيل : 06/09/2008

بطاقة الشخصية
المواضيع الاخيرة:
حركة الانبعاث Left_bar_bleue2/2حركة الانبعاث Empty_bar_bleue  (2/2)
المواضيع الاخيرة:
حركة الانبعاث Left_bar_bleue1/1حركة الانبعاث Empty_bar_bleue  (1/1)

حركة الانبعاث Empty
مُساهمةموضوع: حركة الانبعاث   حركة الانبعاث Icon_minitimeالجمعة ديسمبر 23, 2011 12:15 pm


2 ـ حركة الانبعاث

لا يمكن اعتبار القرن التاسع عشر مجالا لتحولات كبرى نحو الحداثة، لقد كانت عملية(الترميمات والإصلاحات) و(تأسيس بنيات جديدة) في بدايتها ، بل إن بعض الوسائل والاختراعات الحديثة لم تأخذ طريقها إلى الناس إلا بعد نقاش أو استصدار (فتوى) ، كما عرف مطلع القرن تهجمـات واستعمارا، للجزائر (1830) وعدن (1839)، ومصر (1882) بعد فشل الثورة العرابية (1881) . ولو ألقينا نظرة عجلى على ما أنجزه بعض الشعراء الذين رافقوا فترة التحول هذه، لتأكد لدينا أن (تيار الجمود) (1) استمر زمنا طويلا ، فإذا اعتبرنا - مع محمد بنيس (2) - تصنيف قصائد الدواوين الشعرية (نصوصا موازية Paratextes)، فإن دواوين شعراء هذه الفترة تحكمها العادة المتوارثة عن عصور الضعف(باب المدائح النبوية- المدائح الخديوية- الأصحاب- التهاني- التشطير والتخميس- المراثي..)، بل استمر خط الصناعات اللفظية لدى كثير من شعراء تلك الفترة ، فنجد : التاريخ الشعري ، والاحتفاظ بالمطالع الغزلية، وبالصياغة القديمة، والحرص على البديع، والتشطير والتخميس، وما إليها... وكذلك استمرار التهاني والمدائح والمجاملات (3).

لكن الوقائع الجمالية - كما سبق - سريعة التأثر، وقد بدأ الشعر (يتطلع) إلى التغيير، بل سيكون في طليعة المجالات التي مسها (شيء) من التحول في القرن التاسع عشر، وإن لم يكن بالحجم الذي يُـتوقّـع.

- إن كلمة إحيـاء هي المفتاح الأساسي لفهم المشهد الشعري، والنواة التي تأسست حولها حركة (الإحياء) أو(الانبعاث) الأولى. وينحصر فضل الأوائل في محاولة الخروج على التقاليد الفنية لقصيدة التقليد/الضعف، وقد نوّه دارسـون هنا محـاولات الشعراء محمـود صفـوت الساعاتي(ت1880) (4)، ومحمد عثمان جلال(1838-1898)(5).وكذلك ناصيف اليازجي (ت1871)، فقد تحرر - أحيانا- من قيود الصناعة التقليدية، وكتب على طريقة العباسيين، كقوله يرثي ابنه(6):
ذهب الحبيب فيا حُشاشة ذوبي أسفا عليه ويا دمـوعُ أجيبـي

ربيته للبين حتى جـــاءه في جُنـح ليل خاطفا كالذيـب

يا أيها الأم الحزينة أجملـي صبرا، فإن الصبر خير طبيــب

لا تخلعي ثوب الحداد ولازمي ندبـا عليه يليـق بالمحبــوب

وربما أمكننا الآن - ونحن بصدد دراسة حركة الانبعاث- استيضاح مساهمة رائدين بارزين هما : الأمير عبد القادر الجزائري، ومحمود سامي البارودي المصري .
أ - الأمير عبد القادر الجزائري



1- يبرز الأمير عبد القادر(7) شخصيةً ومسارا وإنتاجا، في سياق خاص :

- ثقافة تقليدية واسعة، يحتل فيها التكوين الديني الصدارة، ويليه التكوين الأدبي واللغوي، الذي يصعب تحديد مستواه بدقة. ويبدو أنه ليس بالعمق التخصصي ، بسبب تحمل الأمير أعباء المسؤولية ومصاعبها ، والانشغال بالمقاومة العسكرية منذ أول شبابه(نحو 24سنة) .

- يبرز التوجه الصوفي بقوة، من حيث انتماؤه إلى طريقة صوفية (القادرية)، ومن حيث التأليف، فكتبه أساسا في التصوف (كتاب المواقف !).

- اصطدم الأمير مباشرة ودون مقدمات بحادث الاستعمـار وبشاعته وقسوته ، ولم يكن قد سبقه تصور عن الغرب، أو إصلاح أو حركة بعث، ففي العالم الضعيف المهلهل الذي كان يحيا فيه، نسجل غيابا تاما لوسائل تُـمكّن من فهم أو مواجهة هذا الطارئ العنيف والقوي ..

- ولذا سيكون الأمير بانيا للمجتمع، والدولة، وللعلاقات، وللمؤسسات أيضا.

- لم يكتب الأمير في النظرية النقدية أو الأدبية، ولم يُؤلف في الأدب، وسيكون شعره المجموع في ديوان(8) هو المصدر الوحيد - تقريبا (على الأقل الآن)- الذي سنتحسّس فيه توجهه، وطلائع الحداثة فيه إن وُجـدت.

2- نستنتج مما سبق امتزاجا غريبا بين عدة عناصر وظواهر :

- عمق تراثي وتوجه (غير واضح) بين التقليدية المتأصلة، وعدم استيعاب الجديد.

- تأصل التوجه الديني وسيادته على العناصر الأخرى .

- نزوع تسام وعظمة يستند إلى عدة عناصر: - سلطة النسب (نسبه شريف: حسيني) - سلطة الإمارة - سلطة الفروسية، بمعنى القيادة والنبل والجهاد والتضحية - سلطة العلم - السلطة الروحية، لأنه أحد رواد طريقة صوفية.

وهي كلها عناصر تتقاطع مع مرجعيات (رموز ومباديء) تراثية قديمة: النسب (آل البيت) - الإمارة (الخلفاء) – الفروسية (عنترة- خالد - المتنبي) - العلم (علماء الإسلام) - التصوف (الزهاد والمتصوفة ) . ولنقرأ لــه :

النسب : أبونا رسول الله خيرُ الورى طُـرا فمن في الورى يبغي يطاولنا قدرا

وَلانا، غَـدا دينا وفرضا مُـحتّمـا على كل ذي لَبّ به يأمن الغدرا (9)

الإمارة: لذاك عروس المُلْك كانت خطيبتي كفَجْأة موسى بالنبوة في طُوى..

وقد سرتُ فيهم سيرة عُـمَريّــة وأَسْقيتُ ظاميها الهداية فارتوى (10)

الفروسية: أمير إذا ما كان جيشي مقبــلا ومُوقد نار الحرب، إذ لم يكن صالي

إذا ما لقيـتُ الخيـل إني لأول وإن جال أصحابي فإني لها تــالي

ومن عادة السادات بالجيش تحتمي وبي يحتمي جيشي وتُحرس أبطالي (11)

العلم والتصوف :

- وبالله أضحى عزنا وجمالنا بتقوى وعلم ، والتزود للأخرى (12)

- الجود والعلم النفيـس وإنني لأنا الصَّبـور لدى اشتداد الباس (13)

- ضغط الواقع الجديد ممثلا في الاستعمار المدمر ، وفي تفوق الآخر .

- الدافع الذاتي، فقد تولد لديه إحساس (وطني) ؛ مسؤولية سياسية نتيجة المؤهلات السابقة ، يُـترجم - تقليديا - في شكل مقاومة عادلة / جهاد .

3- يتضمن الديوان (79) نصا بين قصيدة وقطعة، أمكن بعد الجرد، تصنيفها كما يلي:

الموضوع


العدد


%


توجه القصائد


عددها


%

المجامـلات

الغــــزل

المــــدح

الفخــــر

التوســــل

التصـــوف

الحكمــــة


22

6

3

3

3

22

2


28.20

7.60

3.84

3.84

3.84

28.20

2.50








تيار جمـود

أو قديــم








61








78.2

الوطنيـــات

الوصـــف

شؤون خاصة


5

4

8


6.40

5.10

10.20




تيار يتجه إلى الجديـد




17




21.7

قصيدة مختلطة


1


/


/


01


/

المجمــوع


78 +1








78+1






إن النسبة العامة للقصيدة التقليدية ذات التوجه نحو تيار الجمود عالية (78.20) ، وتزيد كثيرا على نسبة القصيدة ذات التوجه الجديد (21.79)، بل إن استمرار الاندماج في ظاهرة عصر الضعف وأدبيته واضح في تصدر باب المجاملات لقصائد الديوان (28.20).

لكن الحكم العام، وتوزيع الأغراض يخضع لرؤية ومقاربة كل باحث، ويمكن – من وجهة نظر موضوعية ومرنة – النظر إليها من الخارج ومن الداخل، فأغراض مثل المجاملات والمدح والتوسل لا يمكن إلا أن تندرج ضمن خط تيار الجمود، بينما غرض الغزل مؤهل للانخراط ضمن هذا الخط بسبب طريقة معالجة الشاعر وأسلوبه، أمّا الفخر، فإن روح العصر الحديث تميل إلى رفضه، وتصنيفه داخل القديم، رغم أنه- في حالة الأمير- يتداخل أحيانا مع شعره الوطني، فيندمج الفخر مع الاعتزاز الوطني الضروري للإنسان المقاوم :

سَلُوا تُخبرْكُم عـنّا فـرنسا ويَصدُقُ إنْ حَكَتْ عنها المقال

فكم لي فيهِمُ من يوم حرب به افتخر الزمان ولا يـزال (14).

وإن التصوف ليطرح هو الآخر مشكلة حقيقية هنا،لأنه ساد عصر الضعف،لكن الموضوعية تقتضي- بعد فحص المضمون والأسلوب – أن نقول إنه يرتبط في شعره بالتوجه العام نحو الإحياء؛ لأن مضمونه وبنيته تأسّست على العودة إلى التصوف الفلسفي والعرفاني الأول (الإتحاد- وحدة الوجود..)، فقصيدته الحائية (15) :

أوقاتُ وصلكُمُ عيـد وأفـراح يا من همُ الروح لي والرّوح والراح

يا من إذا اكتحلت عيني بطلعتهم وحقّقـت في محيّا الـحسن ترتاح

دبّت حُميـّاهمُ في كل جوهرة عقـل ونفـس وأعضـاء وأرواح

فما نظرتُ إلى شيء بدا أبدا إلاّ وأحباب قلبي دونه لاحـوا...

مصنوعة مضمونا وشكلا على منوال حائية السّهروردي :

أبـدا تحِـنّ إليكـمُ الأرواح ووصالكـم ريحانها والرّاح ..

ونفس الشيء يقال عن الحكمة (التأمل الذاتي)، أمّا الوصف والوطنيات فهي روافد شكّلت منزعا جديدا في شعر تلك الفترة .

ويمكن أن نستنتج مما سبق، أهم توجهات الأمير:

1 – محاولة إحياء التصوف بمعناه الفلسفي الحقيقي .

2 - إحياء فكرة(حالة) البطولة بالمعنى العربي والإسلامي القديم، وتتقاطع هنا مع الفروسية العربية، ومع البطولة كفعل مقاومة/جهاد.

3 - استعادة فكرة الصراع مع الآخر، وهو ما يخلق الإحساس بالذّات والتغاير، وبضرورة (التغير) والدفاع..أي مقاومة روح الاستسلام والخمول وفكرة التسليم والاندماج.

4 - إحياء المنهج الشعري القديم، ولا نقصد قصيدة عصر الانحطاط الذي وقع فيه كثيرا، بل نقصد منهج الفحول في عصر الازدهار، وكل ذلك في نطاق قدرته الشعرية، وفي نطاق اهتمامه بالشعر نفسه (كنشاط)، حيث:

- نجد في كثير من القصائد خلفية قديمة( أبو نواس- أبو فراس- المتنبي- عنترة- السهروردي..).

- نجده يستعيد أساليب( صيغ – صور..) قديمة.

- يستعيد فكرة الطبع، وعدم التكلف، وتفضيل الرونق الشعري، والاهتمام بالتأثير، يقول عن قصيدة صديق (16):

بديعةُ الحسن بالأضحى تهنيني تزهو بحسن علا، من غير تزيين

وقوله (17) :

أتتْ مهنّـئة، فليَهـنَ مُهديــها جلّت تراكيبها، دقّت معانيها

تدلّ بالحسن والإدلالُ حُــقّ لها فما حَوت مثلها يوما معانيها

ودبّ في الجسم من أنفاسها طرب دبيبَ حُبَّى لهذا الخير مُنشيها

وقوله(18) :

..من الـلاّئي تطيعهم القوافي وتنقـاد انقيـادا كالغريـم

وتألفهـم معانـي شـاردات دقيقـات، أرقّ مـن النسيـم

لها في قلب سامعهـا دبيـبٌ دبيبَ البرء في ذات السقيم..



ب - محمود سامي البارودي (1838-1904)(19)

يرى معظم الدارسين- كما يعلق أدونيس معترضا (20) - أن محمود سامي البارودي هو بداية النهضة ، وهو شاعرها الأول .

1- لقد قرأ البارودي - في إطار ميل مبكر إلى الشعر- كثيرا من ذخائر التراث الشعري العربي القديم ، رغم انتمائه إلى المدارس الحربية (العسكرية) وتقلُّده للوظائف العسكرية والسياسية السامية ، بل إنه نشر كتابا تحت عنوان (مختارات البارودي) قال في مقدمته إنه اختاره " من شعر ثلاثين شاعرا من فحول الشعراء المولدين ، وهم بشار بن برد...ورتبته على سبعة أبواب : الأدب، المديح، الرثاء، الصفات، النسيب، الهجاء، الزهد." (21). وينبغي أن ننبه هنا إلى عدة ملاحظـات:

- لقد تقلصت المختارات (المنتخبات) الشعرية في عصر الانحطاط بعد الاهتمام بها في العصر العباسي. والاختيار يتطلب رؤية ومشروعا وبرنامجا ومنهجا، لذا يصاحب الاختيار المجددين في الغالب (أبو تمام- البحتري - ..) .

- لقد اختار فقط للشعراء المولّدين؛ أي العباسيين المشاهير؛ أي أنه حدد مرجعية لخطه الأدبي لا تعترف بإنتاج معاصريه أو سابقيه القريبين.

- لقد رتب مختاراته على نفس الترتيب الذي كان معمولا به في النهضة العباسية، فنحن لا نجد الأبواب التقليدية المتداولة في عصر الانحطاط كالمجاملات أو المدائح أو التوسل...

2 - عـرّف البارودي أفضل الشعر بأنه " ما ائتلفت ألفاظه ، وائتلقت معانيه ، وكان قريب المأخذ ، بعيد المرمى ، سليما من وصمة التكلف، بريئا من عشوة التعسف، غنيا عن مراجعة الفكرة . فهذه صفة الشعر الجيد " (22). والعبارة تذكرنا بتعريف الشعر وشروطه وقواعده الذي كان سائدا في التشريع النقدي العباسي، وهو يستعيده ليبين الخط الذي انتهجه :( انسجام الألفاظ والعبارات - جودة وصحة المعاني - الوضوح - الإيحاء - الطبع وعدم التكلف ) .

3 - فهذا الخط - كما ترى - هو طريقة عظماء الشعر العباسي، والبارودي مستوعب لذلك ، يقــول (23) :

مضى حَسنٌ في حَلْبة الشعر سابقا وأَدرك لم يُسبقْ ولم يألُ مُسلـمُ

وباراهما الطائـيُّ فاعترفت لـه شهود المعاني بالتي هي أحكـمُ

وأبدع في القول الوليـدُ فشعـره على ما تراه العين وشيٌ منمنـمُ

وأدرك في الأمثال أحمـدُ غايـة تبُـزّ الخطى ما بعدها مُـتقـدّمُ

وسـرتُ على آثارهـم ولربمـا سبقتُ إلى أشيـاءَ، والله أعلـمُ .

وهذه المقطوعة بمثابة إعلان عن مذهبه الشعري :

أ- متابعة ومحاكاة القدماء (سرت على آثارهم) .

ب- القدماء المقصودون هم عظماء الشعر العربي القديم، والمحدثـون بالدرجة الأولى ؛ أي:

- أبو نواس (أول مجدد) ثم مسلم بن الوليد.

- أبو تمام ، شاعر (المعاني) .

- البحتري، في (رقة الشعر وتنميقه ).

- المتنبي في الحكمة .

وتصنيف هؤلاء ضمن هذه المجالات والتوجهات قديم معروف .

ج - إنه يتابع القدماء مع إمكانية التفوق عليهم، بالسبق إلى أشياء.

4 - يمكن القول إذًا إن عمله سينحصر أساسا في (بعث) طريقة القدماء وإحيائها، وهي الطريقة التي هجرت منذ عدة قرون وخلفتها قصيدة التصنع اللفظي. وهذا الأمر مهم جدا؛ لأن الشاعر يعمل على:

- رفض طريقة عصر الضعف (أي رفض السائد والتمرد عليه) .

- شـق طريق آخر (جديد) للشعر .

- لا توجد معالم هذا الطريق في عصره، لذا ينبغي الرجوع إلى العصور الأولى(الذهبية) وربط الشعر من جديد بها(أي وصل الانقطاع).

- محاولة الإبداع وتجاوز القديم داخل إطار القديم وأساليبه نفسها.

5 - لكن العودة إلى القديم والنسج على منواله عملية صعبة بسبب الانقطاع الطويل، وسلطة السائد، ولا يكفي حفظ نماذجه واستيعابه لمحاكاته. لذا ينبغي استحضار العمل الفني نفسه، وهذا ما دفع به إلى (المعارضة)؛ أي نظم قصائد كثيرة على نفس الوزن والقافية بل والعبارة، مثل (24):
- ظنّ الظنونَ فبات غير مُوسَّد حيران يَكلأُ مستنير الفرقد

عارض بها قصيدة النابغة :

أمن آل ميةَ رائح أو مغتـدي عجلان ذا زاد وغيـر مزود

- كم غادر الشعراء من مُتردَّم ولَرُبّ ثاوٍ بَـذّ شَأو مُـقدّم

عارض بها معلقة عنترة :

هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم.

وغير ذلك من القصائد ، وهذا الفعل الشعري يترجـم :

- تعلقه بالقديم وانبهاره بنماذجه .

- إعادة النماذج الرائعة النائمة في أعماق ذاكرة معاصريه إلى السطح.

- تدريب له على الإنسجام مع أسس ومنهج القصيدة في عهد ازدهارها .

6- ارتبط البارودي من خلال فكرة إحياء القديم بموسيقى الشعر القديم ، فالتزم البحور الخليلية والقوافي (وببعض الظواهر الإيقاعية مثل : التصريع ولزوم ما لا يلزم..) وحسب إبراهيم أنيس فإن استعمال البارودي للبحور من خلال ديوانه يتوزع كما يلي (25) :عدد أبيات ديوانه كله نحو 3000 بيت : الطويل 39 % - الكامل 20 % - البسيط 15 % - السريع 5 % - الوافر4 % - المتقارب ومخلع البسيط 1% . ولهذا الجرد دلالة هامة ؛ لأن البحور الطويلة(خاصة الطويل) هيمنت على الشعر القديم .

- وقد احتفظ البارودي في أكثر قصائده بمراحل القصيدة التقليدية (النسق) ؛ أي الافتتاح بالغزل، ثم ذكر المفاوز التي قطعها في رحلته، ثم ذكر الركائب التي أجهدها والأهوال التي تجشمـها، وأخيرا الخروج إلى الغرض (26) . فعند استقالته من وزارة الدفاع ووزارة الأوقاف، سافر إلى الريف وكتب قصيدة مطلعها (27):
هَجرتْ ظَلومُ وهجرُها صلة الأسى فمتى تجود على المتيـم باللّــقا

جزعتْ لراعية المشيب وما درت أن المشيب لهيب نيران الجـوى

والشيبُ أكمـلُ صاحب لو أنـه يبقى ولكن لا سبيـل إلى البقـا

فاذهب بنفسك عن متابعة الصِّبَا وارجع لحِلمك فالأمور إلى انتها

أو قـوله :

ألا حيّ من أسماء رسمَ المنازل وإن هي لم ترجع جوابا لسائل.

فقصيدته متعددة الأغراض مثل القصيدة القديمة .

- احتفظ البارودي كذلك بالأساليب القديمة " فخامة الأصوات وجزالتها وتناسقها ، وتكشف (قصائده ) عن سيطرة على فن النظم وبراعة في توزيع الأصوات واستغلال خصائصها " (28) ، وهو ما يعبر عنه خليل مطران بأن " أحسن ما في شعره الصياغة ، بها سما إلى منتهى الإجادة ، وبرز على المتقدمين فضلا عن المتأخرين.. [وشعره ] اختار له أحسن أساليب العرب وأفصح ألفاظهم " (29). ويمكن القول إن لغة الشعر السائد في عصره، كانت لغة المتحذلقين المتكلفين ، وكان عليه تحديهم بمستوى عال من التعبير ، يبعد من جهة ركاكة العصر(أي يجدد) ، ويعتنق من جهة أخرى متانة وفخامة وجلال الأساليب الشعرية القديمة ، والمعترف كذلك - دائما - بجودتها حتى لدى شعراء الانحطاط . ولنقرأ قوله متـغزلا (30):

يا راحلا غاب صبري بعد فرقته وأصبحت أسهم الأشواق تصمينــي

إن كان يرضيك ما ألقاه من كمد في الحب مذ غبت عني، فهو يرضيني

لم ألـقَ بعدكَ يوما أستبيـن به وجهَ المَـسَرّة إلاّ ظَـلَّ يُبكينـــي

قد كنتُ لا أكتفي بالشمل مجتمعًا فاليومَ نظرةُ عيـن منـكَ تكفينــي .

إن العباس بن الأحنف وابن زيدون والشريف الرضي حاضرون في خلفية هذه القطعة ، والانسجام الذي نلمحه يعود أصلا إلى ذهن البارودي وتكوينه ، فهو يعيش الحالة (فعلا وتخيلا) من خلال نماذجهم القديمة التي تتكون من نظام (معنوي/أسلوبي/تصويري/ لغوي/صوتي/إيقاعي ) معين، ومهما كان توجه الحداثة فيما بعد فإن طبيعة الشاعر المنسجم مع تراثه (اختياره) ومدونته الخاصة، قد حددت له أسلوبه مسبقا ، ولهذا حَددَ مكانته ـ بالنظر إلى أسلوبه ـ قياسا إلى رموزه (31) :
ملكـتُ مقاليـدَ الكـلام وحكمـة لها كوكب فخم الضياء منير

فلو كنتُ في عصر الكلام الذي انقضى لَباءَ بفضلي(جَرولٌ)و(جرير)

فلو كنتُ أدركتُ (النُّواسي) لم يقل ( أجارةَ بيتيـنا أبوك غيور)

وما ضرّنـي أني تأخـرت عنهم وفضلي بين العالميـن شهير

فيا ربما أَخْـلَى من السبـق أولٌ وبَـذّ الجيادَ السابقات أخير.

فهو يطمح إلى الأسلوب القديم والتحكم فيه ، فهو المعيار ، وامتلاكه له دليل على التفوق والإجادة .

7 - لكن البارودي ليس مجرد معيد ومكرر(مقلد) للإنتاج الشعري القديم، إنه يحاكيه ، يتابع منهجه وأسلوبه، وهو إلى جانب ذلك ، ذات تعيش في عصر آخر وتنفعل لقضايا جدّت من حولها،فوضعية العصر الجديد وتقلب حياته الزاخرة بالتجارب ، واندفاعه ، وإحساسه القوي بعظمته ، لا تسمح له إلا بترجمة هذا الواقع شعريا ، وهو ما سيدفعه إلى إدخال لمسات جديدة على واقع القصيدة في عصره . يقول (32) :

أنا ابن قولي وحسبي في الفَخار به وإن غدوتُ كريـم العم والخال

ولي من الشعـر آيـات مفصـلة تلوح في دُجْـنة الأيـام كالخال

فانظر لقولي تجد نفسي مصورة في صفحتيه، فقولي خط تمثالي..

إنه (ابن قوله)، ونفسه (مصورة في شعره)، والاهتمام ببروز شخصيته وانعكاسها في شعره، أول مظهر جديد، وسيكون له دور هام في بروز عدة مظاهر يعد من بين روادها في النهضة:

- منها، إعادة إحياء الوصف الذي حصره شعراء الجمود في المجاملات والمطارحات، والتباري في وصف الأشياء التافهة، وقد أنجز قطعا هامة في وصف الطبيعة ونحوها، كقوله (33):
ونبأةٍِ أطلقتْ عينـيَّ من سِنــة كانت حِِبالة طيف زارني سحرا

فَرُحتُ أسأل عيني رَجْعَ ما سمعت أذْني فقالت : لعلِّـي أبلغ الخبرا

ثم اشرأبـت ، فألفت طائرا حذرا على قضيب يدير السمع والبصرا

ما بالُه وهـو في أمـن وعافيـة لا يبعث الطرف إلا خائفا حـذرا
لا تستقـر له سـاق على قــدم فكلما هـدأت أنفاسُه ، نَفَــرا .

إنها قطعة تشترك فيها حواسه(السمع والبصر والأفعال)، والقلق والبحث والخوف الذي لا يستقر منه الطائر، ويترجمه في سلسلة من الأفعال تجسد صورة اليقظة والبحث والذعر. وقوة الحيوية في الصورة مستمدة من تتابع متسارع للأفعال المضارعة، ولن نجد - خارج الأسلوب واللغة - مرجعا لهذه القطعة ، كما أن صوت الصناعة اللفظية قد خفت فيها نهائيا .

- ونظم البارودي في الوطنيات، فسجل الأحداث التي عاشتها بلاده، خاصة الثورة العرابية والظلم والاستبداد، مثل قوله بعد فشل الثورة العرابية (34) :
يقول أنـاس إنني ثـرت خالعا وتلك هَنـات لم تكن من خلائقي

ولكنني ناديت بالعـدل طالبـا رضى الله واستنهضت أهل الحقائق

أمرت بمعروف وأنكرت منكرا وذلك حكـم في رقـاب الخلائـق

فإن كان عصيانا قيـامي فإنني أردت بعصيـاني إطاعـة خالقـي





وهل دعوة الشورى عَليَّ غضاضة وفيها لمـن يبغي الهـدى كل فارق

وكيف يكون المرء حرا مهذبا ويـرضى بما يأتي بـه كل فاسـق

فإن نافق الأقوام في الدين غدرة فـإني بحمـد الله غيـر منـافـق

وهو هنا يدافع عن نفسه ضد اتهامه بخلع الولاء للمسؤول ،أو بالعصيان، أو النفاق، ويبين أن اشتراكه في الثورة العرابية كان من أجل المطالبة بالعدل ، فعمله أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ودعوة للشورى ، ورفض للظلم. وكل هذه المعاني تتقاطع مع منظومة نصية (فكرية وأدبية وشرعية) تمنحها مشروعيتها، فهي بمثابة الدليل على انسجام سلوكه وصحته من كل هذه النواحي مع التراث وعلى الأخص الدين؛ إذ ليست مسألة الثورة - في نظر معاصريه - إلا استعادة لموقف المروق وخلع البيعة، وهو ما يستند إلى النص الشرعي ومسار التاريخ الإسلامي في تعامله مع الثورات والمارقين وخالي البيعة. وهو يعي كل هذا؛ ولذلك أسس نصا يتعالق مع جملة من الفضاءات التراثية التي تمنح الثائر حق التمرد، وتميزه عن خالع البيعة؛ فيقدم نفسه طالبا للعدل ورضا الله والشورى، فهي في ضمير الشاعر والملتقي معا، أصول توجب الثورة ولا تدينها، فهي من وجه آخر، ولاء ووفاء للحاكم، وعدم نفاقه وغدره.

3 - الإحيــاء (الانبعاث)

أ - موازنة :ربما كنا نتعسف إذا نحن قابلنا أو قارنا بين مساهمة الأمير والبارودي لكن المقارنة بينهما، بوصفهما رائدين وحلقتي اتصال وانتقال، قد تفسح المجال لفحص أدق للواقع الشعري الحديث في أول ارتعاشاته:


الأميـــر

البــارودي
الظروف والشخصية

- رجل عسكري وسياسي
وبلغ أعلى المراتب
( الإمارة).

- قاد ثورة ضد الاستعمار (حرب طويلة).

سجن ثم نفي إلى سوريا أين توفي.

- عاصر فترة خمول وركود تام.

- ثقافة تقليدية دينية أولا.

- لا يحسن غير العربية.

- رجل عسكري وسياسي وبلغ أعلى المراتب (رئيس الوزارة).

- شارك في ثورة (محاولة قصيرة المدى).

- حوكم ثم نفي إلى سيلان، ثم عاد إلى وطنه.

- عاصر فترة تحول وتململ وإصلاح.

- ثقافة تقليدية أدبية أولا.

- يتقن العربية والتركية والفارسية.
التوجه والتأثير

- توجه صوفي قوي.

- كتب في التصوف.

-لم يترك عمله الأدبي تأثيرا واستمرارا.

- توجه غير صوفي .

- كتب في الأدب(مختارات شعرية).

- ترك شعره تأثيرا واستمر في صورة تيار.
الاعتبارات الفنية

- يقلد الشعراء القدامى من منطق غير واضح.

- أعاد الوصف والتصوف واتجه إلى الوطنيات.

- تذبذب في الأسلوب.

- لم يستخدم أدوات أدبية لتطوير الصياغة.

- يقلد القدماء من منطق واضح محدد.

- أعاد الوصف واتجه إلى الوطنيات.

- يطغى على أسلوبه التوجه الإحيائي.

- يهتم كثيرا بالصياغة و مستواها العالي.





ونستنتج من هذه الموازنة أن فرص تطوير القصيدة كانت ضئيلة جدا أمام الأمير مقارنة بالبارودي (ما عدا التصوف الذي يعتبر فرصة ضائعة لو تملص من ضغط التقليدي وخرج إلى العتبة الجبرانية ) ؛ أي:

- كان التحدي كبيرا أمام الأمير: أعباء مقاومة طويلة-واقع راكد وثقافة محدودة ، أما البارودي فواقعه متحرك (صحافة - طباعة - جمعيات..) ، وأعباؤه يسيرة، وثقافته أدبية متخصصة واسعة .

- لم يجد إنجاز الأمير من يكمله ويطوره ويصححه ، أما البارودي فاحتضنه معاصروه، فتحول إنجازه إلى تيار يمتد إلى شوقي وحافظ.

- لم تتأسس لدى الأمير فكرة واضحة عن مذهب جديد، عكس البارودي الذي كان قد حدّد منهجه (العودة إلى الفحول القدماء ).

- لذا ، لم تظهر لدى الأمير هموم أسلوبية ، ومنهج تطوير واضح للصياغة، عكس البارودي الذي أخضع شعره لالتزامات وطبائع فنية محددة .

- تطرح شعرية الرجلين وعلى الأخص الأمير عبد القادر مشكلات حقيقية على صعيد النقد التطبيقي على وجه الخصوص؛ فمن جهة كاد يستقر تاريخ الأدب على اعتبارها إشارة أولية على انطلاق النهضة الأدبية الجزائرية الحديثة، فأخذت مكانة يبررها ويقويها الارتباط الوجداني، والاعتبار الوطني لتكون في مقابل الارتعاشات النهضوية الأولى في المشرق ممثلة خصوصا في شعرية البارودي ثم في إنجاز تلامذته، ومن جهة أخرى لم يتسن للدارسين - خاصة عند التطبيق كما مر - الوقوف على إضافات واضحة، أو برنامج تحديثي يخض الممارسة الشعرية، يمكنه أن يشهد على هذا التوجه.

- ينبغي أن نؤكد أيضا على شدة حضور المدونة النصية التراثية في شعر الرجلين؛ وهو ما يوسع ويؤكد ارتباط بدايات النهضة العربية بالتوجه الإحيائي؛ من أجل استعادة الوعي بالذات، وتمثلها.



ب - حدود المفهوم :

1 - يرى محمد بنيس(35) أن تيار التقليدية [ وحركة الإحياء جزء منه ] أول برنامج شعري للحداثة الشعرية العربية، وبه تمّ بناء نص يرى إلى: الممكن في الكائن، وإلى المستقبل في الماضي.وبعثُ الشعر - هكذا- انطلاقا من النموذج القديم غير صحيح في نظر أدونيس (36)، بل إن تزكية البارودي - في نظره- تقوم على اعتبار (نفسي – قومي).

2 - لكن البارودي يمثل بالنسبة ليوسف خليف ظاهرة بارزة في تاريخ الشعر العربي، لأنه وقع على مفترق الطرق (37)، وفضل الاختيار الصعب، فتجاوز عصره القريب إلى عصور الازدهار، ووثب وثبة واسعة، فلا يشبهه إلا المتنبي الذي خرج بقصيدة( بدوية -حضرية)، وكذلك البارودي القائل عن قصيدته :

حَضَرية الأنساب إلا أنها بدوية بالطبع والتركيب

ومن الواضح أن موقف البارودي هنا يرتقي إلى معنى الثورة على السائد، والخروج على التقاليد الشعرية التي رسّخها عصر الضعف، لكنه لم يجد أمامه مثالا للتجديد، فكانت محاولاته نتيجة لرؤيته الخاصة ، وتكوينه، فالعودة إلى القديم هنا تجديد عن طريق رفض سلطة الانحطاط.

3 - ولكي نتعمق أكثر (ولو قليلا) في فهم وتقويم حركة الانبعاث والإحياء، نلخص كلمة لعز الدين إسماعيل (38):

- باعدت حالة الركود الطويلة بين الناس وثروتهم الأدبية والفكرية القديمة، ومع ظهور الوعي الجديد بالذات وحركات التحرر، كان لا بدّ من أرض صلبة تمنح الذات صلابة واطمئنانا، أي لا تتحرّر الذات إلا مع كامل الشعور بذاتها، ولها رصيد كاف من الوجود تعتز به ، ومن ثمّ برزت ضرورة إحياء التراث في ضمائر الناس، واستهدفت المحاولة ربط حلقات التاريخ التي انفصمت .

- أروع نموذج هو البارودي، اطلع على أروع نماذج القديم، ثمّ انطلق يتغنّى ويعبّر عن أزماته الخاصة والعامة، فإذا هو صوت متميز النبرة بالقياس إلى من سبقوه من الشعراء..فعادت إلى أسماع الناس أصوات قديمة..البحتري والمتنبـي وابن زيدون ..عادت كما هي، وكأننا حين نطالع هذا الشعر(رغم قضاياه العصرية) عدنا إلى العصر العباسي لنستأنف حركتنا التاريخية من هناك..فهي حركة تمثل نوعا من الردّة إلى الماضي للامتداد منه إلى الحاضر..أي تمثل امتداد الماضي في الحاضر وتحقق نوعا من الاتصال بينهما[ إقصاء ومحو عصر الضعف من التاريخ].

- لكنها نظرت إلى التراث من زاوية فنية فقط، فحققت رقيا في مستوى التعبير الشعري..وكانت النتيجة ذوبان الشاعر في إطار الشعر القديم .

فلم تفجر مدرسة البارودي أي طاقة روحية أو فكرية في التراث الشعري العرب ، وإنما هي قد أعادت النبض لهذا التراث في نفوس الناس ..فارتباطها بالتراث سطحي وشكلي، لأنها لم تنبه الضمائر إلى أبعاده الروحية والفكرية خلف العبارة وخلف الفن، وإنما اقتصرت مهمتها على استيحاء هذا التراث وإعادته- بكل مشخّصاته الفنية- إلى قارئ العصر .

إن هذا التحليل أكثر عمقا؛ لأن التزام الشاعر بالرنين القديم ليس عيبا في حدّ ذاته، فقد يفجرا لمبدع ضمن الأشكال القديمة طاقة ويحررها ويضيئها، بل ويحقق دنيا فريدة (39)، فالشعر كما يقول أدونيس نفسه (40) " أفق مفتوح، وكل شاعر قادر على الإبداع، يستطيع أن يزيد من سعته ويضيف إليه مسافات جديدة " .

4 - فبعث القديم وإحياؤه، أو استعادة الماضي لتغيير الحاضر وتجديده، لا تعني إطالة عمر القديم أو إصرارا على التقليد، لأن "عودة التقليدية للماضي مشروطة بأثر الذات الكاتبة، هي فعل اصطفاء لعناصر وعلائق نصية، وهي في الوقت ذاته إعادة بناء لها وفق متطلبات تغافل القديم أيضا، وتنثر على النص عناصر بانية هي الأخرى لدلالية القصيدة " (41) وهذا ما يفسر صمود الأشكال والبنيات القديمة إلى عصرنا وزمننا الحالي. ثم إن التوافق النفسي لدى المتلقي – وهو المستهلك – وذوقه يتوزع على مشارب عديدة ، كما الأغنية (يطرب البعض للقديم ولا يهتز آخرون إلا للجديد والبعض للأحدث) ، وبناء الذوق يتم وفق تربية واطلاع ومستوى وحساسية . أليس الشعر القديم نفسه حيا باقيا في الوجدان العربي إلى اليوم ؟.كتب سعيد عقل بعنوان (قديم) (42) :

اكتبْ على الريح ، أكتب الكلمـــات أوجعَـها الحنين

ماذا القديمة ؟ لا عليْـــك ... اقرأ غدا مَيَـدا وليـنْ

ليس القديم سوى سيــــــــاج الورد مُنْهدًّا طعين

عنه تَلُمّ لترشق الزهـرا.............ت أجمـلَ ما غَويـن

قالوه : صوّح؟...جُز بنا الـــــقوّال جِيرتُـه تَشيـن

إن القديــمَ أحبُّـــه كالليل لم يبـرح حزيـن

يكفي أن اعلولى.. جديـــــد كلّ مرتفـع الجبيـن

لي عمة من قال ماتت؟ هل يمـوت الياسميــن؟

مسحتْ على فمها يدٌ من فوقُ ، قالت: لستِ طين

..الشمس تسبـرها بأن تُسبَـى بها مـذْ تستبيـن

دع عُمرها.. عُدَّ الجمــــالَ ولا تعُـدَّنّ السنيــن .



هوامش :

(1) محمد مصطفى هدارة، وعبد الله سرور: الشعر العربي الحديث، 1/36 .

(2) محمد بنيس : الشعر العربي الحديث ، بنياته وإبدالاتها (ج1 التقليدية ) . ص: 87 .

(3) مصطفى هدارة : 1/من 37 إلى 74 ، وفيه نماذج .

(4) الساعاتي ، شاعر مصري ، يعده العقاد وبعض الباحثين أحد رواد الشعر التقليدي وحركة البعث .

(5) يعد من أبرز الأوائل الذين تأثروا بالأدب الغربي . ترجم خرافات (fable ) لافونتين إلى العربية شعرا (العيون اليواقظ في الأمثال والحكم والمواعظ) ، راجع : غنيمي هلال: النقد الأدبي الحديث ، ص: 534 .

(6) هـدارة ، 1/33 .

(7) هو الأمير عبد القادر بن محي الدين الجزائري (1807 - 1883) ولد بمعسكر ، وتلقى بها وبوهران علومه التقليدية وتدريبا عسكريا، دفع دخول الفرنسيين الجزائر إلى مبايعـة والده ، لكنه فضل أن تكون لابنه ، فبويع بالإمارة تحت شجرة الدردار (1832)، وبدأ مقاومة بطولية طويلة (إلى سنة 1847). سجن في فرنسا، ثم نفي إلى دمشق (1853) حيث ظل يتصدر مجالس العلم. بعد وفاته أعيدت رفاته إلى الجزائر (1966).

(8) جمعه وحققه زكرياء صيام ، وطبعه ديوان المطبوعات الجامعية بالجزائر .

(9) الديوان ، ص: 163 .

(10) الديوان ، ص: 107-108.

(11) السابق ، ص: 267-268 .

(12) السابق ، ص: 163.

(13) السابق ، ص:215.

(14) السابق ، ص:260.

(15) السابق ، ص:125.

(16) السابق ، ص:303.

(17) السابق ، ص:315.

(18) السابق ، ص:289.

(19)هو محمود سامي البارودي(1838-1904) ، شركسي الأصل ، مصري المولد ، تعلم في المدارس الحربية(العسكرية)، وواظب على الأدب والشعر مع طموح ونبوغ . أتقن التركية والفارسية ، شهد الحروب، وتقلد المناصب ؛ فمن مدير إلى محافظ للقاهرة ، إلى وزير للأوقاف إلى وزير للدفاع ، إلى رئيس للوزراء . وشارك في الثورة العرابية(1881)، وفشلت فحاكمه الإنجليز،ثم نفي إلى سيلان(1882) وعفي عنه ، فرجع إلى مصر وقد كف بصره ، وتوفي سنة 1904.

(20) أدونيس (علي أحمد سعيد) : الثابت والمتحول (ج3:صدمة الحداثة)، ص: 45 ، عكس ما يذكره هدارة من إجماع على البارودي ، الشعر العربي الحديث ، 1/84 .

(21) مختارات البارودي ، 1/3 . وكتبها في مرض موته .

(22) مقدمة ديوان البارودي ، 1/3 .

(23) هدارة ، ص: 85 .

(24) هدارة ، ص:87 .

(25) إبراهيم أنيس: موسيقى الشعر . ص: 21 .

(26) أدونيس، 3/51 .

(27) هدارة ، ص:93 .

(28) خالدة سعيد : حركية الإبداع . ص: 21 .

(29) أدونيس ، 3/45-46 .

(30) هدارة ، ص: 96-97 .

(31) هدارة ، ص: 90.

(32) هدارة ، ص:86.

(33) هدارة ، ص:95.

(34) هدارة ، ص:91-92 .

(35) محمد بنيس ، 1/71 .

(36) أدونيس ، 3/48-49 .

(37) يوسف خليف : البارودي والمزاوجة بين التراث والمعاصرة ، الفيصل ، ع:222.ص: 24-25 .

(38) عز الدين إسماعيل : الشعر العربي المعاصر ، قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية . ص: 21 إلى 24 .

(39) محمد زكي العشماوي : أعلام الأدب العربي الحديث واتجاهاتهم الفنية والمعنوية ، ص: 17-18 .

(40) أدونيس : مقدمة للشعر العربي . ص: 108 .

(41) محمد بنيس ، 1/71 .

(42) سعيد عقل : أجراس الياسمين . ص: 108-111.















الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://aljazairi.ahlamontada.net
sabah
مشــرف
sabah


عدد الرسائل : 79
العمر : 31
تاريخ التسجيل : 01/11/2011

بطاقة الشخصية
المواضيع الاخيرة:
حركة الانبعاث Left_bar_bleue2/2حركة الانبعاث Empty_bar_bleue  (2/2)
المواضيع الاخيرة:
حركة الانبعاث Left_bar_bleue1/1حركة الانبعاث Empty_bar_bleue  (1/1)

حركة الانبعاث Empty
مُساهمةموضوع: رد: حركة الانبعاث   حركة الانبعاث Icon_minitimeالإثنين ديسمبر 26, 2011 2:14 pm

موضوع رائع مشكور
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
حركة الانبعاث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
abdlkhalk :: منتدى قسم الادب العربي-
انتقل الى: